ككل ليلة سفر ما ،

أجدني فجأة أعيد تأمل المدينة التي أبيت فيها الساعات القليلة المقبلة ، وكأني أتأكد من معالمها جيدا قبل أن أودعها خزائن الذاكرة ، وأجد في قلبي رقصات شوق ولهفة إلى المدينة التالية وكأني لم أقمْ فيها دهرا .. أو أن معالمها قد تغيرت في غيابي .

ولي مع المدن تصنيفات لا أفقه لها سببا ..

– مدينة الرمال حيث أنا الآن : مدينة تجعل من مزاجي معتدلا طوال الْيَوْم ، فهي في موسم صيفٍ ممتد كلما زرتها ، وكأنها تعرف مقتي للبرد .

– و إلى عاصمة الدبلوماسية الناعمة حيث سأكون غدا : فتلك المدينة الفاضلة هي كالسيدة الراقية المتحفظة والتي تجعلني – دون أن تجبرني – أعود إلى شقتي عند تمام الساعة الثامنة مساء.. ولا عذر لي بعد هذا التوقيت للبحث عن حذاء السندريلا .

– وأما المدينة الصاخبة حيث لذكرها أبتسم بلا سبب فأزورها فقط حين أصاب بالأرق ، هي كالعاهرة التي يتكثف نشاطها ليلا .. وتزيد شبرًا من طول تنورتها نهارا كي تودع البنك جباية المتعة . وحتما سأزورها فنومي يضطرب مع السفر ولكن .. سراّ.

– وآهٍ حيث أنتَ الآن : تلك مدينة استثنائية .. أتذكرها كوِرد الصباح أو كلماّ قرأت “فَانكِحُوا ما طاب لكم ..” فهل سمعت عن المدينة الضرّة !؟ ولا أعتقد أني سأفتح لها خزائن قلبي يوما إلا إذا غادرتها أنتَ إليَّ .. وثق أني قد أسامحك إن خنتني مع امرأة ولكن لن أغفر لك أبدا جُرم عنّابة ، فأنت في حضنها تبيت كل .. ليلة .