منهمكٌ في ريّ الفدادين ، جبينه ينضح حبات عرق يتوقف سيلها عند اللثام ، مشكّلة تعرجات قاسية من خطوط الملح .

هكذا يقضي أمين أيام عطل الأسبوع ، من أول خيط يبزغ فجرا الى حين حلول الظلام حتى لا يكاد يتبين موضع خطوه في الحقل .

كان حقله مثل جنة إن دخلتها قلتٓ من أين له هذه الهندسة في التنسيق والجمال !.

أن يُزرّب صفوف البصل و البقدونس بباقات الورد جعله هذا محل اعجاب جيرانه من الفلاحين.

كانت هي مع جدتها، تبدو سائحة غريبة لا تحترم حدود الأراضي الخاصة ولا تلتزم بالطريق التي عبًدها تعاقب أقدام المزارعين والرعاة

ولا تلتزم بالطريق المعبدة من تعاقب أقدام المزارعين والرعاة ، فكانت تنقلاتها عرضا من أرض إلى أخرى .. إلى أن توقفت عند جنة أمين .

دفعتها الجدة لتواصل سيرها كيفما اتفق ، ولكن وجدت منها اعتراضا مبدية انبهارها بهذه الحديقة الغنّاء.

لم يعر انتباها لوجودها والجدة ولتفقدها زرعه وشجره وثمره .. كان منهمكا كناسك متعبد لا يشغله عن دينه أمر من أمور دنياه.

استغربت استغراقه ، وأومأت بالسؤال إلى جدتها ، وهذه الاخيرة رفعت رأسها إلى السماء وتنهدت :

– ألهمه الله الصبر .

ثم أشارت لها بوجوب المغادرة قبل أن ينتبه ، وراحت تروي لها حكايته في همس متسارع ..

عرفت الفتاة السائحة أن أمين ليس بفلاح وإنما اختصاصي كبير في علاج العقم مشهود له في سجلات الباحثين في هذا العلم . وكان له ابن مشهود له بالنبوغ والعلم الغزير وكان يخطو خطوات ثابتة في مشروع زراعي ، لولا أن خطفه الموت ذات ليلة في حادث سير .

أمين ، لم يُسمع له نحيب ، ولكنه يهب ما يتبقى له من أيام الأسبوع – بعيدا عن العيادة – في العمل على مشروع ابنه الراحل .

وأكملت الجدة روايتها للمأساة بحكمها عليه بأنه يسعى إلى الفناء .

– وماذا عن زوجه ؟

– زوجه .. بقايا إنسان.. الفقد كبير وهو وحيدهما ،لا أفهم كيف له أن يعالج النساء من العقم وقد اكتفى من الدنيا بولد واحد .. وها قد رحل .. الذرية عزاء وسند يا ابنتي .

للجدة فلسفة ومنطق يبهرانها دوما .

وكعادة أهل القرى ، التحية بين جيرة الأرض تأخذ أبعادا مستقبلية وقد تعود إلى تاريخ تقسيم الميراث . وتطول وقفة الجدة مع هذا وذاك وتلك .

وجدت الفتاة في انشغال الجدة فرصة وانقلبت على عقبيها إلى حيث .. أمين .

– تعازيّ الحارة في مصابك الجلل .

توقف عن عمله وبقي منحنيا كأنه عاد للحياة فجأة .. واستوعب فداحة ما خسر .

مسح بكمه دمعة ، ثم عاد إلى ما كان عليه .. يضرب الفأس وكأنه يحفر قبرا .

تقدمت منه لتتبين وجهه ، ولما وجدت منه تجاهلا ، مدت يدها بسرعة إلى اللثام وأماطته.

هنا وقف مستسلما كمن يقول لها .. ثم ماذا !؟

تأملته ، كان في الأربعين .. غريب ، ترى كم كان عمر ابنه !؟

– كم كان سنك حين تزوجت ؟

مرة أخرى يرمقها باستغراب ، ولكن قرر أن يجيبها ربما تركته وشأنه فهي تبدو له فتاة إلى الطيش أقرب :

– كنت في العشرين .

وجدت في تجاوبه قبول دعوة لحوار طويل .

– وكم كان عمر ولدك ، وأعتذر على هذا السؤال !؟

– كان في العشرين .

– لقد جاوزت ُالثلاثين من عمري وإلى الآن جدتي تعتبرني طفلة ..

قالتها بمرح غير مهذب مع حال الأب المفجوع . ولكن يبدو عليها الإصرار في الخروج بالرجل من حاله الكئيبة

..

فتحت حقيبتها الصغيرة وسحبت كاميرا رقمية ، وطلبت منه أن يأذن لها بصورة معه .

ابتسم أو هكذا خَيل لها ..

وقفت بجانبه وراحت تعدل من وضعيتها مرة إلى جانبه ومرة أمامه وأخرى مبتسمة إلى أن طلبت منه أن يلتقط لهما صورة من زاوية وقوفه .. ارتبك قليلا ولكن أجاب طلبها في استسلام أيضا .

– ماذا تفعلين في حياتك ؟

كم سرها شعور الإنجاز وهو يعيد إليها الكاميرا ويواصل حوارهما وكأنه ألفها أو استلطفها . فأجابته :

– أعمل في شركة للدعاية ..

– لهذا الكاميرا معك حاضرة ، اعتقدت أنك سائحة .

– أنا كذلك، ولكن أنا ابنة هذه الأرض ..

وإلى داخل الحقل حيث تتشابك أشجار الزيتون ، دعاها إلى الجلوس تحت ظلالها الساترة.. لبّت الدعوة بسرور مفضوح .

فمنذ مجيئها للمصيف هنا وهي لا تجد حوارا متصلا خارج التذمر من شُح الغلال هذا العام .

كان المكان حيث دعاها ينتهي بجدار من طين وارتفاعه يحجب طولها وقوفا عن الآخرين .

لا تدري لماذا هنئت واستكانت للجلوس معه ، ولم يعنها كثيرا حجم القلق الذي ستتسبب فيه لجدتها . ولكن أمين أحق برفقتها الآن …

هكذا أرادت تقدير الأمر فضولا وطيشا وربما .. إعجابا .

جلست على الأرض الندية ، وهي ما تزال تتفقد موقع المكان من حركة المارة وأعينهم ، فازدادت طمأنينتها .

ما الذي يدور بخلدها ؟ هل تضمر غوايته ؟ استبعدت الأمر فهو رجل قد أنهكه ألم الفقد .. ولكن به وقار ساحر والحزن زاده سحرا .

وخلال هذا الصراع الجدلي ، كان هو قد أتى بالزّٓودِ ، وجلس بالقرب منها بعفوية بريء المقاصد .

شاركته طعامه، والحديث بينهما يزاحم الأكل ، فكانا يستوضحان من بعضهما البعض .. بين اللقمة والأخرى .

وانتهى الكلام مع انتهاء الطعام .. وساد ذلك الصمت الشبيه بالمأزق المفاجئ .

يفترض الآن أن تعود هي إلى جدتها وهو إلى حرث أرضه . ولكن الصمت استمر في انتظار النجدة من العدم .

ثم فجأة سألها :

– هل أنت متزوجة ؟

بامتننان أجابته :

– لا أصلح للزواج ؟

– ولم ٓ ؟ .. غريب ؟

– لم أَجِد بعد من يستحق .. جسدي !

دعوة صريحة لتأملها عوض ٓالبحث عن دود الأرض ..

الرجل تفحصها شبرا .. شبرًا .

لم يجد بأسا في تركيز نظره على صدرها الذي يكاد يخنقها امتلاء ، أو يبدي دهشة من مؤخرتها التي تفيض من ضغط الجلوس على الأرض الصلبة .. وتئن من ضيق البنطلون .

نعم جسدها يستحق من .. يسحقه.

أخذ عودا جافا وراح يرسم دوائر متداخلة ، والعصبية تتصاعد في حركة الرسم العشوائية هذه حتى انكسر العود .

هذا الرجل الفريد في قصته وشخصه ، وهذا المكان الجميل في طبيعته وخضرته وهذا المزاج الذي يتلبسها بلبوس العبث .. كل هذا جعلها تُساق بيسر إلى ركوب الخطر ..

وكم وجدت منه فهمًا و إقبالا ..

مدّ يده إليها ، فلبّته هي في الحين .

– تعجبينني يا فتاة . ما الذي فعلته بي ؟

– أعجبتني .. بك سحر غريب .

أطبق عليها بفمه ، وأنهى حديثها ..

وافقته بأن افترشت الأرض من دون أن تفلته ،

بل سحبته وجعلته يعدل من وضعيته فوقها ..

وجهه لوجهها غطاء ، ويديه في صدرها تمزقان كل غطاء ، وجسده لجسدها حرث وبذر .. بلا ارتواء .

كانت تنتفض من تحته وهو يكتم صرخاتها التي تتعالى كلما نزع عن جسدها قطعه الخفيفة ..

كان قويا مفتول الساعد، بما يكفي لإخماد تمردها و إشعال رغبتها في آن .. فذاقت لأول مرة طعم الاستسلام بلا اكتفاء .

كم كان فيها راغبا، فأغدق عدله تقبيلا لكل ذرة من جسدها ..

ولأول مرة ينسى حزنه ويقبل على أنثى حد الصرخة الكبرى .

بقي ٓبرهة منكبا بثقله عليها ، وقد وهن منها الجسد ولم تقو على إزاحته .. تذكرت جدتها .. ابتسمت ، ثم مسحت عنه حبات العرق الناضحة ، وهمست في أذنه :

– دكتور، كم من توأم زرعتٓ في أحشائي !؟