ثمانون يوما من الحجر الصحي و استحالة التواصل مع الآخرين مدة كافية لتجعل التخفيف من إجراءات الحجر خبرا يستحق أن يحتفى به..
كانت تلك حال مساعدة منزلية شابة أذنت لها صاحبة البيت أخيرا بالتبضع من مركز المدينة التجاري الفسيح بعد أن تلت عليها تعليمات الوقاية المعتادة، لا سيما ترك مسافة أمان بينها و بين بقية الزبائن حتى لا تلتقط الفيروس من احتكاك عابر ما.
لكن مكوث المساعدة المنزلية بالداخل أكثر مما يجب قد أثار مخاوف السيدة ، و زاد من قلقها تعذر الاتصال على هاتفها بسبب ضعف التغطية ، فلم يبق لها من حل إلا أن تطلب من مركز خدمة الزبائن المناداة عليها كأنها طفل صغير تائه .
طلب تحمس له الموظفون لما لمسوه في كلام السيدة و اضطرابها من طيبة و كرم و حرص على مساعدتها المنزلية .. بل و قد وصل بأحدهم التضامن معها إلى درجة تشغيل كل كاميرات المراقبة امامها و أجرى مسحا شاملا لكل زوايا المركز التجاري … وصولا إلى المخازن.
و لا أثر للفتاة .. كأنها قد تبخرت أو كأنها لم تدخل الى المكان أصلا .. و وسط الصمت و الترقب الذي ساد المكان كانت دقات السيدة تتسارع و تكاد تُسمع من طرف المحيطين بها ..
فجأة .. شخصت العيون و تبدلت ملامح الوجوه حين تسمرت إحدى الكاميرات عند الدرج المفضي لمرآب السيارات على مشهد الخادمة مصلوبة على الدرابزين بلا حراك ورأسها إلى الخلف كأنه يتدلى .. و أمامها رجل يبدو أنه كان يحاول إسعافها.
صرخت السيدة بأعلى صوتها مذعورة أن اسعفوها ، ثم حاولت التقاط هاتفها الذي سقط من يدها لتتصل بالشرطة لو لم توقفها هستيريا الضحك و التنكيت و اللعنات من حولها..
لم تستوعب ما يحدث ، و لكنها ركزت نظراتها على المشهد الذي استقطب عيونهم فوجدت أن خادمتها حية تسعى و … ترزق ، وتنفض عن ثوبها ما علق به من أثر صدأ الدرابزين فيما يبدو، ثم تعيد وضع الكمامة و تعود إلى داخل المتجر مسرعة بعد أن ربت ذلك الرجل على مؤخرتها .. تحية و امتنانا.
ارتبكت السيدة و لم تجد ما تقول .. فانسحبت مسرعة و لسان حالها يلعن استهتار الشباب بمسافات الأمان.