هي ليست من زمن الأساطير ، أين تُسحل من زوجة أبيها في سراديب الرّماد ، ثمّ تُزفّ إلى أميرها بجهازٍ قوامه فردة حذاءٍ مفقودٍ .
والد هذه الحسناء ، امتلك قلب زوجة الأب منذ ميلادها ، منذُ تلقفها بين يديه وكان يمنيّ نفسه بذكرٍ ..
نشأت متشبعة بمشاعر النبذ، والكثير من علامات الاستفهام ، فقد ساءت صحة والدتها ، وعجزت عن الإنجاب .. وتعثرت تجارة والدها وباع ممتلكاته ليستقر في شقة صغيرة وسط المدينة الكبيرة التي لا ترحم أعزتها .. فما بال من أذّلتهم الأيام على حين غرّة.
الفتاة على جمالها ، إلا أنها كانت تمتلك نظرة محدّقة على الدوام ، فكانت تثير في نفس الناظر إليها الاستغراب وأحيانا التوجس .. وكان يصرّ والدها أن نظرتها تلك بمثابة اللعنة ،
ويستدل على قوله – ودونما حرج – بالنوائب التي رافقت ميلادها وحتى الآن.
تخفض بصرها ، تحدق في أناملها وتقلبهم وكأنها تكتشف معجزة الخلق في تكوينها من جديد.
النقر الذي يعبّر عن توترها كلما رأت والدها ، تحوّل إلى عادة ملازمة لها، حتى إذا لم تجد مكاناً صلبا للدندنة على سطحه ، أنهت اللحن الذي برأسها على فخذها .
وهكذا ..
كانت حين تنهي الفطير كلّ فجرٍ ، وحتى تقاوم النعاس الذي سلبها منها والدها ، تقوم بتحسس حرارة الصفيح بظاهر يدها ، ولشدّ ما أثارها النغم المتصاعد من وقع النقر ..
فهو مزيج بين متعة التعذيب بالحرق وبين نوتات الشجنٍ الخفيف .
انتصف النهار ، ثم الليل .. وأتى الفجر ،
فطير الصباح ووالدها الجشع ..
اكتملت طقوس الْيَوْم وانتظرت أن يغادر الوالد إلى ما تبقى من أعماله ، ولكنه افترش عتبة المطبخ .. وراح يتأملها كمن ينتظر أمراً ،
توجست منه ، فاحتضنت مخاوفها وطأطأت رأسها بغير ترحيب ، ثم بشكل مفاجيء ومن دون مقدمات سألها :
⁃ متى تعزفين ؟ أريد أن أعرف متى تعلّمتِ هذه الحرفة ؟
لم تحر جوابا ، فهي لم تفقه سؤاله .
وهو لم ينتظر منها قولاً ، إنما أمسك كمّ فستانها بيد ، وباليد الأخرى حمل صفيحة الحديد .. وخرجا !.
**
قلبها يتحرق شوقا للذي يغازلها كل يوم قبل أن ينفحها دراهم معدودة .. ولكن والدها يحذرها من مكان خفيّ ، أن لا وقت لدينا للعشق ولكن لا بأس بأن ترخي عنق الفستان.
وهكذا تقضي ذات البراجم الدامية يومياتها ..
برغبة لا تكتمل وجراح لا تندمل .