لماذا تعشق العزباء المتزوج ؟!

معضلة تصادفني مع أغلب قصص العشق الخفيّة ، والعزُب لا حظّ لهم منها .

تسألونني عن تجربتي !؟

نعم ، أحببت أوَّل ما أحببت – ولازلت – رجلا متزوجا.

**

كان الصمت يعمّ المكان الذي يهلّ عليه ، وتنتقل عدوى الرهبة منه .. إليّ .

كنتُ أقف لساعات أتأمل ملامحه الدقيقة ، ونظرته الحادة العميقة .. لا يتكلم إلا حين يصمت الجميع وكأنه ينثرُ مسكاً على اللغط الذي ساد الحضور طوال الجلسة .

يتقن فن الإصغاء بابتسامة غريبة هي مزيج من الرفعة والاحترام والغموض، وحين يتطاول أحدهم في مسألة ما يعرف كيف يخفف من جرعة الجدل .. بنظرة .

آه من تلك النظرة ، كانت تأسرني من وراء حجاب وأتمنى لو كانت لي مَلكة كشفِ الحجب ، فقط لأكشف سرّها وسحرها ولأمُت بعدها .. لا بأس.

آخر من يأتي وأول من يغادر ، هكذا هو دوما .. يخلّف في الصدر آهة و شوقا ليوم آخر .

ألمّت به وعكة طارئة ولم تكن عابرة ، فمكث بسببها أياما في المستشفى ، فأصبحت أخباره تتصدر مجالسنا ، الكلّ قلق عليه .. والنسوة يؤولن أحلامهن والعجائز يتصدقن لدفع البلاء عنه .

كيف له أن يكسب القلوب هكذا ، هذا لوالده الإمام الخيِّر وأخرى لوالدته وصنائع المعروف التي عرفت بها بين الناس .. وآخرون وأخريات لأجله وشخصه .

ولكن مهلاً ..

ليس للصيت البطولي أحببته ، بل هو كما القدر حين تؤمن في فترة التساؤلات من عمرك بأن روحك كانت تسكن جسدا ما في زمن ما .

كنتُ أراني فيه ، أعرف ما سيلفظ به من قول وكأني على ما يقول رقيب .

أعرفُ أي المناسبات سيحضر و عن أيها سيعتذر ..

وأدرك مواقفه من الأزمات التي لا نعرف من تفاصيلها شيئا سوى ما يذاع في نشرات أخبار الثامنة .

عودة إلى وعكته ،،

كانت جموع زواره في المستشفى ، تتحدد مسبقا ، دفعاً لجرم التقاعس عن زيارته .

كنتُ أنتظر دوري ، ولو ضمن المرافقين الذين لا يلقي أحد إليهم بالا .. ولكن يتم دفعي خارج السيارة في كل مرة فهناك دوما من له الأولوية .

وأنتظر عودتهم بلهفة لأتسقط أخباره ، فكنت أسمعها بأكثر من رواية كلّ حسب الزاوية التي كان يقف فيها عنده بالمستشفى .

حين أكل وحين شرب ، وحين أتاه الطبيب المناوب .. وحين أتت السمراء المجهولة لعيادته .

كانت الروايات تختلف حد الاختلاق ولكنها كانت تجمع أن السيّد كمال يستعيد بعض من عافيته حين تأتي .. السمراء.

– من هي ؟

– هل هي خطيبته ؟

– لا لا ، ليس هو من يجاهر بهذا الفعل المخلّ .. !!

– هي بالتأكيد إحدى قريباته !

– ربما هي موظفة عنده ويجب أن يتابع معها العمل، فمنصبه كبير ومهامه أكبر في البلاد .

فوضى حديث تصيبني بالدوار ، وألم في صدري مثل الوخز وفجأة أتمنى .. موته .!

– أتمنى أن يأخذه الله إلى جواره حتى يرتاح من آلامه .

هنا انتبه لي الجميع ، وتعوذوا من قولي وكدتُ أُرجم لسوء نواياي..

بالتأكيد ليست قريبته وحكما ليست بموظفة .. هي عشيقته .

بَكيت حينهاُ كما لم أفعل يوما من عمري .. الذي لم يتجاوز السادسة عشر .

دخلت غرفتي يائسة ، مزقت عنّي صدريتي .. ثم ضممتُ ثديي بعنف وخاطبت مرآتي بغضب: هل أنا صغيرة حقا ؟ كيف يقاس العمر عند هؤلاء الجهلة ؟ ..

وكمن ينكأ الجراح العميقة ، كلّ يوم أنا في حال عقب كل خبر جديد عنه ،

خرج السيد كمال من المستشفى .. و الناس التي عادته في المستشفى هي نفسها التي تحظى بزيارته في بيته .

السيد كمال .. سيتزوج !.

– ممن ؟ السمراء ؟

– من العيب أن تخوضي في حديث الكبار يا هاته.

اسودّت الدنيا في وجهي ، وضاقت أنفاسي وعجزت عن الحديث وحتى عن الشعور ، وربما أموت قريبا ، ولكن لا أحد انتبه .. لي .

– كيف هو شكلها ؟

همس النسوة أعاد لي وعيي .

– رقيقة الملامح ، ضعيفة البنية وتبدو مثقفة .

– طبعا فالسيد كمال لن يتزوج واحدة منّا ..

– تباّ لكنّ ، مصابة بصداع بسبب حديثكن الذي لا ينتهي ، ثم كيف عرفتن أنها مثقفة ، وأنتن غارقات في وحل الجهل ؟ تباّ .. تباّ .

– هذه البنت غريبة أشعر أنها كبرت قبل الأوان .

ردّت إحداهن بلؤم .

– جاهلة وخبيثة ..

من رحمة الله بالإنسان أن يضع في ذاكرته مثل الفجوة يرمي إليها كلّ ما لم تطق النفس تحمله من بلاء أو ابتلاء أو ذكريات .. وهي ملاذ أرحم من النسيان .

وهذا ما حدث معي ، فالفترة التي تزوج فيها … كمال، لا أذكرها مهما حاولت ( ولم أحاول يوما ).

وعدا تلك الفترة ، عدتُ من جديد أنتظره في مجالسنا ، وأتعقب أخباره وأنكر عليه زواجه ، و .. خيانته .

لا أدري إن كان يعلم حينها أنني كنت أنتظره كل ليلة و في حضنه كنتُ أنام .

– مرحبا صغيرتي كيف حال الدراسة معك ؟..

لأول مرة يخاطبني مباشرة ، من دون محارم .. هكذا بدون مقدمات، فاحترت هل أفرح لهذا الحدث العظيم ، أم أصحح له أنني لست بالصغيرة والدليل صدري الذي أجزم أنه يفيض عن سعة كفيّه معا .

– بخير ..

– أين والدك يا صغيرتي ؟

– … لستُ صغيرة .

ضحك ببراءة ، ولم يتوقف عند احتجاجي ، فأراد أن يواصل سيره تاركا وصية لوالدي – لا أذكرها – .

– هل يمكنني أن أسألك ؟

– نعم بكل سرور ..

– هل أنت سعيد في زواجك ؟

– ماذا ؟

– سمعتَ سؤالي !

تراجع قليلا إلى الوراء في انزعاج وإنكار واضحين ، وبدا عليه ما يشبه اليقين أن التي أمامه امرأة كاملة الأركان وبها جموح لا يناسب مقامه ولا شخصه .

فأنهى اللقاء سريعا وذهب مقطبا ولكن أنىّ لي أن أرعى تحفظه ، فقد زادني صده جنونا .

“يقتلني الفضول ، كيف تأوي إليها .. كيف تخلع عنك ملابسك ؟ كيف تحادثها وتلاعبها ثم تلجها ؟ كيف ، كيف ؟ صرامتك تفسد عليّ القدرة على التخيّل ؟ ” .

كانت هذه أول رسالة أخطها له ، وكنتُ أرتجف خوفا من ردة فعله ولكنني لم أفكر لحظة في التراجع وحفظ ماء وجهي .. أبدا ، أبدا.

– أنتِ بمثابة ابنتي ، وأتفهم أنك في عمر المراهقة ولكن من المعيب أن تتصرفي هكذا ، ركزي في دراستك وتوقفي عن هذه الحماقات فهذا ليس أوانها .

– ولكن .. أحبك .

– إنتبهي ، فقد اختلط عليك الأمر كوني رفيقا لوالدك ..

– لا أعاني حرمانا أبويا ، بل أعشقك .

شعرتُ به في ورطة ولا يدري كيف يجد منها فكاكا ، فقد كنتُ مطمئنة لشهامته أنه لن يصل بأمري إلى أبي ، ولأن فرص اللقاء به على انفراد تكاد تكون نادرة ( ما بين وضع صينية الضيافة ورفعها ) فقد قررتُ أن أستغل اللحظة معه لأصنع منها .. عُمراً .

– تراني صغيرة، ولكنّي ناضجة وأميّز بين انبهار الصغيرات وعشق الكبيرات ..

– ويحك مما تفكرين فيه وأنتِ في هذا العمر ؟

– أفكر بك ولبقية عمري لن أفكر في سواك ..

وعلى لؤمي وحرصي على التأثير عليه بكل السبل ، إلا أنّ الدمع غلبني وأنا أقسم له على حبي .

والمفاجأة المعجزة ، كانت تأثره وتصديقه لي ،

فضمني إليه بحنان أشهد أنه كان تعاطفا في أوّله ..

ولكن ولأني لستُ ممن يُغرقها العطف ، فقد قررتُ أن أغرقه في عاطفتي .

لم يحدث شيء كبير ، ولكنني مزّقتُ أنفاسه وأربكتُ رجولته ، وبدل أن يربت على كتفي كطفلة صغيرة ، فقد جعلته يُحكم إغلاق .. أعلى قميصي.