من قال إن حاضرنا أرقى وأجمل وأكثر .. نظافة ، من تلك الأيام التي كانت فيها قهوة الفجر تطهى على الجمر !؟ ..
كانت تتفاعل مع تساؤلاتها وهي تهز رأسها بعصبية وكأنها تجادل جدتها حول نِعم الْيَوْم وبؤس الأمس ، ثم هزت كتفيها استهانة ربما كي تهيء نفسها لموعد المقابلة ..
فالوظيفة الجديدة تبدو مغرية .
⁃ ما الذي يجعلنا نختارك أنتِ دون غيرك لهذه الوظيفة القيادية ؟ .
⁃ خبرتي الطويلة ، والنماذج الحية عن أعمالي أمامكم للتأكد !
⁃ إذا افترضنا أن أحد مرؤوسيك أكثر كفاءة منك ، فكيف تتعاطين معه ؟
⁃ قوته في الفريق الذي أشرف عليه ستكون مكسبا لي لا محالة .. إبداعه وإتقانه للعمل ، سيعود بالصيت المباشر لي .
⁃ سأعيد صياغة سؤالي، إذا أدرك مرؤوسك أنه يفوقك ذكاء وإبداعاً ، ويتعمد إزعاجك بالتقليل من قدراتك .. كيف تتصرفين معه !؟
⁃ سأوازن بين كفاءته وطموحه ، تارة بمنحه درجات عالية في التقييم وأخرى بوضع حدود له بعدم التجاوز .
⁃ وإذا قدم شكوى ضدك بدعوى قمعه؟
⁃ سأتعاطى مع الشكوى كنوع من حرية التعبير ، ومحاولة الوصول معه إلى نقطة وسطى تضمن الاستمرار في العمل بروح الفريق .
⁃ لم يقنعني جوابك !
⁃ سأعيد صياغة جوابي .. وظفوا مكاني هذا الكفؤ الذي ستولونني أمره .
⁃ يبدو أنكِ عصبية ولا طاقة لك للحوار .. تفتقدين خاصية الاحتواء .
صمتت قليلا وهي تحاول أن تلتقط وتجمع خيوط هذه المقابلة ، فلا همّ لها الآن إلا إنهاء هذه المهزلة ومغادرة المكان بأسرع ما يمكن .
خلال لحظات الصمت القصيرة – الطويلة ، انتبهت إلى أن لجنة التوظيف تتكون من ثلاثة رجال وامرأة .
الأخيرة هي من كانت تلاحقها بالأسئلة وكأنها تحقق في نواياها المستقبلية .
الوجوه لا تشي بالترحيب ، وشعرت بأنها مجرد رقم تكميلي لأضحوكة التوظيف الشفاف والمهني، إلى أن يظهر البطل المختار سلفا .
⁃ هل لكِ استفسار أو سؤال عن الشركة أو المهام التي ستتولينها في حال وقع الاختيار عليك !؟
تذكرت الفواتير ، والديون ، وتكاليف الحياة .. وعاودها الحنين مرة أخرى إلى سنوات الجمر .
⁃ أتمنى أن أحظى بشرف الانضمام لأسرة هذه الشركة العريقة .
ثم غادرت بهدوء متعمد ، حتى تترك انطباعا أخيرا عنها .. أنها واثقة الخطى على الأقل .
وعند مدخل المصعد ، لحقها ثالث المستجوبين من الرجال ، صافحها مودعا بوعد صامت أن الوظيفة لها .
تفحصت الورقة التي دسها في يدها بعد أن عاد إلى جلسة التحقيق تلك ، ذرفت دمعة ساخنة ، فخطه كان رديئا جدا لدرجة أنها لم تستطع قراءة رقم الهاتف .
وضاعت .. الوظيفة.