ليس صدفة أن أحلق معه في طائرة واحدة ..وإن لم نتحدث بما نعلمه ..
كلانا يتصنع التجاهل ويبتسم بل ويصفق للقدر ورغبته في .. قربنا .
لا داعي إذن لأن نتحدث عن متتالية رقم المقصورة .. فما يفصل بيننا زجاج شفاف إن شئنا حولناه إلى عازل ، ولكن مرة أخرى ادعينا .. الجهل .
– أين زوجتك ؟!
– استأنفت رحلة أخرى ..
– جميل أن يكون للمرء مساحة للراحة لا تقتضي إذنا مسبقا !
– يمكنك البقاء والاستمتاع بإجازتك .. فمثلك لا تحتاج من يقيد حركتها .
– في القيد يكون النظام وتكمن العدالة .. وكونك المدير فلن يحولني هذا إلى محظية عندك .
– يغريني جبروتك ..
– ثم ؟
– يجانبك الصواب إن اعتقدت أن عصبيتك قد تحجب جمال روحك .. على الأقل لست بغافل عن هذا .
صمت .. وأخذت جريدة أتصفحها .. كم مضى من وقت لم أقرأ فيه صحيفة !؟ أو بالأحرى كم من الوقت بقي من عمر هذا الإعلام الورقي … أيا يكن ، فأنا لم أقرأ حرفا ومسلسل الادعاء .. مستمر .
– هل تعتقدين أني .. أتحرش بك ؟
– زوجتك جميلة .. جدا .
– الجمال مع التعود يصبح لوحة باهتة ..
– إذا كان المتأمل لها يقف في نفس الزاوية .
نعود إلى صمت الحرج .. وسعال من حساسية الأفكار التي تربكنا .
المضيفة ، طالتها عدوى التساؤلات ، فكانت ضيافتها مترددة بين أننا واحد في جسدين ، أو غريبين متجاورين يتلاطفان إلى حين الإقلاع .
ويبدو أنها آثرت امتحان العلاقة ، فأتت بقالب حلوى على شكل قلب ، وقطعته إلى نصفين .. ثم وقفت تنتظر .
ابتسمنا لها في امتنان ، فغادرت وهي راضية كل الرضى عن ذكائها .
– هل تؤمنين بالإشارات ؟
– أؤمن بغباء من يقتات على الإكراميات .
ضحك كثيرا لتعليقها ، الامر الذي شجعه ودفعه إلى استغلال هذه الفسحة من المزاح ..
– بعض التغافل يجعل الحياة أقل تعقيدا ..
– هذا ما يعقد حياتي .. لقد صدقت ، التفاصيل ولو كانت متناهية الصغر ، تأخذني وتجرني وتعذبني كثيرا .
– تغافلي، استسلمي للخدع البصرية .. سترين الحياة أجمل وأبسط .
– أنت ٓمن النوع الذي يطلب الشيء ونقيضه ..
– للقوانين واللوائح لغتها ، و خارج هذه الأطر لكِ أن تخلقي لغتك الخاصة .
– أعيتني ترجمتها لمن .. حولي.
– أفهمك .. أنا ! إن كان يعنيك .
– سئمت من الفهم المختصر في لحظة أو مشهد .. وأضطر بعد الانتهاء إلى إعادة الشرح والتوضيح ، ويقيني أنه صراع الختام ولمن سيحمل معه عقدة الذنب في إسدال الستار .. سئمت وتعبت .
– جراحك عميقة أيتها الفتاة التي خلتها ..
– سطحية العقل مغرية .. الجسم !؟
– تريدين إسدال الستار و الذنب في عقدة لساني !؟ يا لك من فتاة ماكرة ..
– قناع المدير كريه على وجهك ..
– أو يمكنك القول إنني جميلٌ وأنا بعيد عن المكتب ! .. كم يصعب عليك الثناء !؟ لن أغتصبك يا هذه ..
أقلعت الطائرة ، وانشغل كل منا بلملمة أغراضه وأفكاره ، ورحتُ أبحث في قائمة أفلام الرحلة ، ولأول مرة تراودني نفسي لمشاهدة فيلم ٓ رعب . ولكن لم أتوقع أن فيلما آخر قد بدأت تتسلل مشاهده إليّ ..
الأضواء في المقصورات خفتت وتماهت مع ظلام الأجواء ، وتوجيهات المضيفة حول السلامة امتزجت مع موسيقى فيفالدي الخالدة .. كم تشبهني صرخة الفصول الأربعة .
وجدتُ نفسي في مزاج حالم ، هادئ ، وكأن غمامة انجلت عن رأسي فجأة وأنا في قلب .. الغمام .
اخترقت الصمت وسألت .. مديري :
– ماذا لو نحوِّل وجهتنا إلى مكان آخر ..؟
– تعشقين الفوضى وفرقعة المفاجآت .. أوافقك نعم .
أزحت الفاصل بيننا ، وارتميتُ على صدره ، وأحكمتُ ذراعه على رأسي ..
ومن خصلات شعري المتشابكة رأيت ابتسامة الرضا من المضيفة ..
لم تكن غبية منذ بداية الرحلة .
#ديهيا